الاثنين، 31 يناير 2011

مقالاتي عند تعثر بعض الروابط(2)




العقيد معمر القذافي
شخصية مثيرة للجدل حقا , عندما أجد عبر وسيلة إعلامية ما خبرا عنه أتوقف قليلا أمامها , الغريب في هذا الرجل وفي شخصيته أنه ومنذ عقود يحارب طواحين الهواء ولم يمل أو يستسلم ,تقبع في شخصيته بقايا رموز وشخصيات تاريخية وسياسية وخاصة الثورية منها , يحاول ان يكون الجميع في شخصه , يرى نفسه كاسترو تارة وجيفارا تارة وماوتسي تارة وعبدالناصر أحيانا.


القذافي شخصية اقرب ماتكون لشخصية رجل صدم في تاريخه الوهمي , كان يسعى يحاول ويظن أنه قادر على التغيير ليس في بلده ولكن في التاريخ الاجتماعي والسياسي البشري .


ربما الكثير من تخبطات القذافي ومغامراته ونزواته أحيانا تنبع من ذلك النداء الداخلي في قرارة نفسه أنه منقذ البشرية أو منقذ أفريقيا أو العرب يحاول أن يهز العالم بأطراف أصابعه لأنه خلق لذلك .


على مدى أكثر من أربعة عقود سقطت أوهام القذافي عظيمها قبل صغيرها , فمشاريع الوحدة التي يحلم بها والنظال في سبيلها كانت مجرد أوهام وأحلام تراكمت هزائمها لترتسم على وجهة تلك النظرة التي لا يمكن قراءتها , هرب من إحباطاته السياسية ليقع في إحباطات اجتماعية عبر الكثير من الأراء والنظريات والكتب التي لم تؤثر في أسرة واحدة في المجتمع العالمي وكأنها نظريات للمطالعة وتضييع الوقت .


لقد انحدرت أحلام القذافي من محاولة التأثير في المجتمع الدولي إن لم يكن في الاستئثار به وتزعمه روحيا على الأقل لمغامرات واهية وفاشلة في تشاد إلى الوقوع في مستنقع طائرة ناضل وجاهد طويلا للخلاص من تلك البقعة الصغيرة , أي أحلام تلك التي انتهت عبر طائرة , وربما تلك الانهيارات الممتدة عبر عقود ساهمت في إضفاء شيء من الضبابية على شخصية القذافي .

الملازم أول معمر القذافي ومن خلال حركة الضباط الوحدويين الأحرار استولت على السلطة في ليبيا في العام 1969 وسرعان تفجرت في نفس الملازم الثائر محاولة غرس أصابعه في جسد التاريخ فقام بإجلاء القواعد الأمريكية والإنجليزية عن ليبيا وأصدر قانونا بمنع شرب الخمر ثم ألغى الدستور ومظاهر الحياة المدنية من صحافة والأحزاب وفرض الزكاة وبدأ مسلسل المغامرات الوحدوية مع مصر وتونس وتشاد , وغير بدء التاريخ بدءا من وفاة النبي صلى الله عليه وسلم .

إن محاولة التسارع بعجلة التاريخ ومنذ بداية ثورة الملازم القذافي تتدل على نفس مشبعة ومتضخمة بالأحلام والتطلعات , ثم تتابعت أحلام الملازم نحو الخارج القريب والبعيد فتدخل في تشاد والفلبين وأوغندا وبين باكستان والهند وبنغلاديش وتوطيد العلاقات مع الاتحاد السوفيتي .


القذافي الذي مازال يحلم بأمانة القومية العربية كما منحه ذلك جمال عبدالناصر , يقف اليوم وربما تمتليء نفسه انكسارا وخيبة لسقوط أحلامه في الدهاليز الخلفية للتاريخ ,


لقد كان هاجسه الأكبر ربما الوحدة العربية ثم تقلصت أحلامه لتكتلات وحدوية أصغر , (مصر السودان ليبيا) عبر ميثاق طرابلس الوحدوي ,اتحاد الجمهوريات العربية ليبيا مصر سوريا , الوحدة الاندماجية مع مصر , الجمهورية العربية الإسلامية مع تونس ,اتحاد ليبيا الجزائر , اتحاد سوريا السودان ليبيا ,الاتحاد العربي الإفريقي مع المغرب ودعوة الدول العربية للانضمام إليه , اتفاقية مراكش لوحدة دول المغرب العربي , الاتحاد العربي , الاتحاد العربي الإفريقي .


لاشك أن هذا العقيد وكما يقال (إذا كانت النفوس كبارا تعبت في مرادها الأجسام) , لا أريد أن أعلق على نزواته ومغامراته الغير محسوبة والغير مدروسة غالبا ولكني أقر له بالطموح والعمل والسعي لما يؤمن به , وبتمسكه بأفكاره ومعتقداته حتى ولو لم تعجب الكثيرين .


ولكن يبدو أن العقيد قد استسلم أخيرا لإحباطاته , وودع أحلام الثورة وانتشار أفكارها وأثارها خارج ليبيا , وهذا أمر طبيعي فما عاد في العمر بقية لمزيد من الأحلام وربما الحفاظ على بعض المكتسبات أفضل , لقد ألقى العقيد جلبابه الثوري ثم أناب ’ لم يعد يقوى على مطاردة الأحلام الثورية أو فقد القدرة على ذلك , فحادثة صغيرة بالنسبة لطموحات ثائر كلوكربي أطاحت بأخر أحلام الثائر الكبير , وحلمه الكبير بفروسية القرون الوسطى أرتد ليحطم طاولته المستديرة ليكتشف أن سيفه من خشب وأن ثورته من فقاقيع , كيف لا ومازالت تطارده لعنة الصدر وهو الزعيم الذي يحلم بحكم العرب ولم يستطع وأد ذكرى رجل واحد , الزعيم الحالم يصطاد في بحيرة آسنة قضية ممرضات الإيدز ليكسب خطوة باهتة نحو العالم الكبير .


وأخيرا يجد الزعيم الحالم فرصة تاريخية فيقف ليعنف العالم ويلقي بكل ما في جعبته نحو إسقاطاته وكأنه ينتقم من المجتمع الدولي الذي حرمه نعمة الزعامة و مكاسب الثورة ليقف مدة ساعة ونصف في الجمعية العامة في 23ديسمبر من العام 2009 ليغرس سيفه الخشبي في أوصال المجتمع الدولي , كان خطابه عقلانيا ومليئا بالصدق والحسرة والنقمة , كان يسطر كشف حساب لهذا المجتمع الدولي وكأنه يلقي أخر كلماته مودعا أحلاما أرقته عقود , لم يترك العقيد شاردة ولا واردة من أحداث وسياسات إلا وهزها في وجه الحاضرين ابتداء من عبثية المنظمة الدولية مرورا بهيمنة الولايات المتحدة عليها وأنها ليست إلا منبرا للخطابات وعرج على تعويضات الدول المستعمرة إلى غزو غرينادا وحرب العراق وأفغانستان وإعدام صدام حسين وأبو غريب وصبرا وشاتيلا واغتيال لومومبا وكنيدي وحتى انفلونزا الخنازير ومعاهدة أتوا لحظر الألغام ودار فور والقرصنة البحرية ودافع عن القراصنة الصوماليين .


إن محاولة القذافي تدويل نظرياته السياسية والاجتماعية وزعمه تطوير نظام ثالث بين الماركسية والرأس مالية ,وبدعة دولة إسراطين لحل القضية الفلسطينية , كل ذلك ويزعم أنها خلاصة تجربة البشرية وكأن تجارب البشرية توقفت عند طموحات العقيد أو كأنها نظرية جديدة عن نهاية التاريخ , لتدل على عمق تأثره بالثوريين ومحاولة طموحة ليجد مكانا أسطوريا بينهم ,لقد آمن القذافي أن خلاص العالم لن يكون إلا عبر أفكاره من خلال الكتاب الأخضر والأبيض .


القذافي رجل أعتقد الزعامة وأمن بها وحيدا وغامر كثيرا وظهر كثائر تارة وكمجنون أخرى وكمضحك أحيانا , لم يترك شأنا دوليا حتى صغائر الأمور إلا وخاض فيها بعمل أو برأي أو بتصريح .


هل القذافي أخر المحاربين الثائرين ؟


هل هو أخر الفرسان الحالمين ؟


هل كان صادقا مخلصا في رؤيته عالما عربيا موحدا ؟


أم هو مجرد رجل حطمته أحلامه وزعامته الوهمية ؟


ربما حتى التاريخ سيعجز عن إعطاء هذا الرجل مكانة واضحة المعالم .

ـــــــــــــــــــــــــــــ
رائحة الموت
شيء من الحزن عبر صباح .... ما

هذا الصباح توجهت لمطعم ما .. قررت أن آخذ بعض فطور وأذهب لبيتي وأفطر مع زوجتي .. كنت لم أزل أفكر في أخ زميلي الذي توفي فجرا . لم أشاهده إلا مرة واحدة ومنذ فترة طويلة . هذا الصباح ككل صباح يتوجه الكثير من الناس لجلب شيء ما ( خبز - تميس - فول .. أي شيء ) , هل كان (حاتم) يخطط ليلة البارحة أن يصحو باكرا ( مثلي ) لجلب شيء ما ليفطر مع زوجته وأولاده ( لا أذكر إن كان متزوجا أم لا , ولم أسأل ) , هذا الصباح استقبلت والدته وإخوته شمسه بدون (حاتم) , والفرق ساعات قليلة فقط ليسدل الستار على نفس بشرية كان لها خطط وطموحات وأحلام .

ربما غدا .. سيأتي من يدخل ذات المطعم ويقول قبل ساعات قليلة كان عادل ينتظر صباح هذا اليوم ليحمل شيئا من طعام لزوجته وأولاده , ولكن القدر لم يمنحه تلك الساعات القليلة , سيكون كل شيء كما هو عندما مات (حاتم ) الشوارع – المطعم – السيارات – نسيم الصباحالناس في المطعم والشارع السوبرماركت هذا المستوصف – والصيدلية – والطلاب المتوجهين إلى مدارسهم .

من سيذكرك يا عادل ؟؟

أنا أعرف لن يتذكرني في ذلك الصباح إلى اثنين فقط ( زوجتي وأمي ) .

رحمك الله يا عادل ,, جئت بهدوء ورحلت بهدوء ,, كنت من الذين إذا جاؤوا لم يعرفوا وإذا غابوا لم يفتقدوا .

كنت تظن انك وتحلم أنك إنسان غير عادي , وإذا بك تموت ليكتشف الجميع أنك أقل من أن تكون رجلا عاديا , أكاد أرى كل من يعرفني يأتي لمراسم العزاء ( كما حصل مع حاتم ) , يتحدثون يبتسمون ويتواعدون على العشاء بعد العزاء , ويتركون الدموع ( لأم حاتم وزوجته فقط )  .

سيكون لموتي طعما أخر ( لولاك يا أمي ويا زوجتي )   .

الفاتحة .

ــــــــــــــــــــ
بين العجز الحضاري والثقافي
ربما يمضغ قطار الحضارة في طريقه لحم الجسد الاجتماعي أحيانا كثيرة , فالمخضرمين في العمر يدركون الدفء الذي كان يسكن الجسد الاجتماعي في حقبة زمنية ما ضية , ولت أزمنة الحواري والتجمعات تحت (إتريك الحارة) , وخروج قوافل الشباب لتنظيف أزقة الحواري قبل ليلة العيد من الأحجار وركام المخلفات المختلفة , ثم التخطيط بين مجموعات الجيران لزيارة بيوت الحارة دون إغفال أي بيت , ويمضي قطار الأيام ويمر بمحطات حضارية مختلفة , ويختفي ذلك الدفء شيئا فشيئا , وتذبل خيوط الشرنقة الاجتماعية ابتداء من الجيران مرورا بالأقارب وحتى أبناء العائلة الواحدة , عصرنة تعصر في طريقها أفئدة كانت رهينة للصخب الاجتماعي , وسحب داكنة من الرسائل الالكترونية وخيوط الشبكة العنكبوتية وفضائيات أغرقت ما تبقى من الزمن الجميل في مستنقع الحضارة الملتهب , وبتنا على شرفة الوقت نرقب تسارع الأيام والشهور وكأنها في سباق معنا لتصل بنا خط النهاية لتعلن للغافلين (End of Life) أو ( انتهت حياتك) .
ربما كانت مسيرة الحياة الاجتماعية معلقة بين عجلات قطار الحياة ولا بد لها من المرور بمحطات مختلفة الأطوار , ولكن لماذا يعجز الإنسان من الحفاظ على مكاسبه الاجتماعية عبر الزمن من ذلك الدفء الاجتماعي الذي غرب مع غروب شمس الحواري ؟
ولماذا نكتفي بقشور التغيير ونحصر أنفسنا بين إطارات التغيير الاجتماعي دون المنظومات الأخرى من الإطارات الحضارية ؟
وفي اعتقادي أن استبدال بيوت الطين والحجر والصنادق والأتريك والفانوس والزير بالبيوت الاسمنتية أو الصناديق الاسمنتية والفلل والقصور , واستبدال الجمل والحمار والحصان باللكزس والمرسيدس والفيراري كلها استبدالات قشرية تحت مظلة الشكل الاستهلاكي والمستعبد والعالة على دعم مجتمعات بعيدة , إن تلك المجتمعات تستطيع خنق ومحو الهيكل الحضاري الذي تغتر به المجتمعات الاستهلاكية المتلقية لكل جديد من تلك المجتمعات البعيدة , ولا شك أن هذه الحضارة (القشورية) ورثت لأبنائها قواعد عامة تبتلعهم من حيث يدركون ومن حيث لا يدركون , فمن تلك القواعد ( أنا ومن بعدي الطوفان ) واستبدلنا مقولة ( أنا وأخي على ابن عمي وأنا وابن عمي على الغريب ) بمقولة ( أنا على أخي وابن عمي والغريب) , كما أصبح الرصيد البنكي أهم من الرصيد الأخلاقي والديني , ونبتت بين ظهرانينا براعم سوء طالت واستطالت وتجردت من روابط الأرض والوطن والمواطنة والدين والأخلاق , فخانت الأمانة وداست على أرواح الأبرياء مقابل ( رشوة أو واسطة أو هجرة لدنيا يصيبها أو امرأة ينكحها أو لن ينكحها ) .
هذا الأرث الحضاري الذي تفيأنا بظله وسنورثه لأجيالنا القادمة والذين حتما مع تنامي قسوة التغيير عبر كل جيل سيضيفون عليه بصماتهم التي تلوح في الأفق من عقوق ولهاث خلف المادة وارتماء بين أحضان التطور التكنولوجي ومحاربة كل صوت يدعو للتمسك بما تبقى من قيم (إلا ما رحم ربي) , ومع الغرق في التبعية الحضارية وصلب الابداع والتطور الذاتي والبعد شيئا فشيئا عن ملامحنا الاجتماعية العتيقة , وتوقف الحياة بكل نواحيها على ما يقذف إلينا من الشرق أو الغرب (ابتداء من ملابسنا الداخلية وحتى الطائرة التي نسافر فيها ) , سنكون كاللقمة التي تلوكها الأفواه حتى إذا ما فقدت طعمها لفظت كما تلفظ العلكة بعد استهلاكها .
إن المجتمع بحاجة ماسة وظرورية لأن يفتح دفاتره المغبرة , ويخلق ( مكاشفة ) اجتماعية جديدة ليبدأ (إعادة بناء) تبدأ من المواطنة الصادقة تحت ظل ( أحب لأخيك ما تحب لنفسك ) ومرورا بـ(المؤمن للمؤمن كالبنيان يَشُدُّ بعضُه بعضاً) وانتهاء (كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله ) .
إن غياب الوازع الديني والذي يندرج تحت لوائه الوازع الحضاري , يظهر في جسد المواطنة كأسوأ ما يمكن أن يحدث من غياب الإحساس الصادق بالمواطنة وحب الآخرين وعدم الإساءة للوطن , وزرع بذور الشقاء الاجتماعي للأجيال القادمة وما بعدها . كما أن غياب الإحساس بالمسئولية الصادقة يضيع الأمانة التي يقع فوق كاهلها أرتال من الأدبيات الحضارية والمادية والإدارية والأخلاقية فكلنا مسئول عن نفسه وعن رعيته أولا ثم عن الهيكل الاجتماعي المحيط ثانيا .
إن أخطر ما يواجه أي مجتمع عبر التاريخ البشري هو تضييع الأمانة التي تبرأت منها الجبال وحملها الإنسان الذي ألقى بها في أحيان كثيرة تحت براثن مصلحته الشخصية وكأنه فرد واحد أحد وليس قطعة من لحم ودم داخل منظومة جسدية واحدة إذا تعفنت بجرثومة المد الحضاري بعيدا عن لقاح الأخلاق تعفن سائر الجسد واستكان لبوادر (الغرغرينا) الاجتماعية و (الغرغرينا) المادية و (الغرغرينا) الأخلاقية و (الغرغرينا) الوطنية .
إن الوطن والمواطنة بناء يحمينا من العواصف والتيارات الخبيثة التي تخطف الناس من حولنا , وليس من المواطنة في شيء الاهتمام بقشور الحضارة ونحن نعاني من عجز حضاري يتغلغل في أعماق تفاصيلنا اليومية , فالحضارة ليست مال وبناء وكماليات وتفاخر بالأنساب والأولاد , ولكن الحضارة الحقيقية هي بناء الذات وتملك مفاتيح القوة الاقتصادية والأخلاقية والحفاظ على سائر الجسد الاجتماعي من حمى العولمة المجردة من الإنسانية والاهتمام بالآخر والبعد عن الأنا .
إن تملك مفاتيح القوة الاقتصادية والاكتفاء عن الآخر أو الشراكة المتزنة والتنوع الإنمائي لهو جوهر الأمان بعد الله لمستقبل آمن .
وهذا التغيير المنشود هو أمانة عظيمة ستسألنا عنه أجيال الغد , وينبغي لأي غافل قد أصابه مرض العجز الحضاري أن يعي أن ما يغفل عنه من عجز حضاري هو مرض وراثي سيصيب أبنائه وأبنائهم من بعدهم شعر بذلك أو لم يشعر .
إن السعادة الحقيقية والبداية الصحيحة لبناء حضارة إنسانية يتفيأ الجميع بنعمها وهي البذرة الكريمة التي تخبيء الغد الواعد والمستقبل المطمئن لفلذات أكبادنا تقوم على قاعدة بسيطة المعنى سهلة القول يسيرة الفهم ولكنها عظيمة الغاية وتحوي بين معانيها على لبنة الهيكل الحضاري الراسخ هي ( أحب لأخيك ما تحب لنفسك) , فكل شر تسعى به ولو ( دون أن تقصد أو تقصد ) خلف ظهر الوطن والمواطن هو شر يصيبك كما يصيب الآخرين .
فمن أرتشى فهو عاجز حضاريا .
ومن قطع إشارة المرور فهو عاجز حضاريا .
ومن عبث في مصلحة عامة فهو عاجز حضاريا .
ومن عبث في أرزاق الناس فهو عاجز حضاريا .
ومن تسبب في عناء المواطنين فهو عاجز حضاريا .
ومن ألقى نفايات من سيارته فهو عاجز حضاريا .
ومن عبث في منشأة ترفيهية أو مقعد على شاطيء البحر أو لوث الحوائط بكتاباته فهو عاجز حضاريا .
ومن عبس في وجهك فهو عاجز حضاريا .
ومن قصر في وظيفته فهو عاجز حضاريا .
ومن حرص في وظيفته على أقل قدر من الجهد ولديه إمكانية التطوير فهو عاجز حضاريا .
وربما لا نهاية لصور العجز الحضاري الذي يمكن أن نعاني منه والذي قد يصادف أيا منا ذات وقت .

أما العجز الثقافي , فربما كان العجز الأكثر إيلاما والأسهل معالجة والذي لم يعد مستهجنا أو غاب عن وجه حياتنا اليومية , فلم يعد للكتاب صحبة وأصبحنا ننظر باستغراب وربما ببعض الاستهزاء بمن ينتظر في مكان ما وهو منهمك في قراءة كتاب ما , وهذا إن وجد , فمن منا عبر ممارساته اليومية المختلفة شاهد شخصا ما وفي أي موقع على خارطتنا المكانية وقد استخلص من أوقات الانتظار أجمل ما فيها ألا وهي الاختلاء بكتاب ما , ولربما استكان آلاف الأشخاص وفي مختلف الأماكن لساعات الانتظار وهم يلوكون الوقت بنظرات شاردة أو مراقبة الرائح والغادي أو إهدار لحظات من العمر في سبيل اللاشيء , لقد غاب الكتاب عن لحظات حياتنا اليومية وصار البعض يعاقره قهرا في سبيل حياة مادية يسعى إليها , وأصبحت المكتبات ترتكن لموظفيها ولأرتال الغبار والتصاق الصفحات , وخلت المنازل من غذاء الروح واستبدل الكتاب بالوجبات الثقافية السريعة وربما المسمومة من (نت و فضائيات , إلا ما رحم ربي) , وربما أخذت الكتب شكلا (ديكوريا) لا أكثر ولا أقل , وربما نجد في بعض المقابلات السريعة عبر بعض البرامج أسئلة بسيطة وتعتبر من مبادئ المعلومات الثقافية ولا تجد من يجيب عليها , وربما ايضا تجد شابا جامعيا لا يستطيع اإجابة عن أسئلة ثقافية سهلة المضمون أو لا يستطيع قراءة آية من القرآن قراءة صحيحة أو ربما بيت شعر لشاعر جاهلي مثلا , لقد مضى زمن المعلم الشامل الذي يستطيع أن يزود طلابه بكافة الوجبات الثقافية من قراءة ونحو وصرف وتاريخ وحساب وإملاء وحل محله المعلم المتخصص الذي يعجز ربما في توصيل تخصصه بطريقة سلسلة لطلابه , وظهرت نظريات (دفه لا تنشب فيه) بدلا من الحرص على نجاحه بجدارة (إلا من رحم ربي) ,
وما أسوأ العجز الثقافي حين تجد صاحب الشهادات العليا لا يستطيع كتابة جملة مفيدة دون خطأ أو لا يستطيع إلقاء خطاب دون أن يرفع المفعول وينصب الفاعل ( ذات مرة حضرت ندوة في جامعة ما وكان المحاضر رئيس قسم اللغة العربية ورصدت أكثر من عشر جمل يرفع فيها المفعول وينصب الفاعل ) .
إن تناول الثقافة عن طريق (الفضائيات أو النت) أشبه بالحقنة الموضعية التي تأخذ لعلة محددة ولكنها لا تشفي كافة البدن من علله , ولا ينتج عنها الإحساس بلذة ومتعة تلقي لطائف الكتب ورحيق الكلمات , إن احتضان الكتاب ومجالسته والتنقل بين عوالمه بهدوء وروية دون ضجيج الأضواء والأصوات لهو محض نشوة تجتاح الروح وتأخذ بالفكر والعقل والوجدان لعوالم مدهشة .
إن الخروج من ضائقة العجز الثقافي ليس لها حل سحري أو علاج خرافي أو نصائح خبير , ولكنه وبكل بساطة العودة لرياض الكتب وبدء التعود على صهر جزء من الوقت المهدر في الانتظار أو العبث أو استنزاف هذا الوقت في مواد لا تسمن ولا تغني من فكر , إن بداية اتخاذ مثل هذا القرار حتى ولو شابه الكثير من عدم القناعة الذاتية أو الإحساس بعدم الرغبة في خوض مثل هذه التجربة التي اصبحت غريبة علينا لهي كافية في زرع بذرة الحب الفطري للثقافة التي فقدناها بعد وقوعنا تحت عجلات قطار العجز الحضاري والثقافي .
إن وقوع أي مجتمع بين سندان العجز الحضاري ومطرقة العجز الثقافي لهو كاف لخلق أجيال جوفاء ومجتمعات اتكالية طفيلية , تنمو للداخل حتى تتبلد وتتعفن وتموت .
فابدأ بنفسك ,
فما أنت إلا جزء من كل ,
وإذا صلحت صلح الكل ,
وصلح اليوم ,
وصلح الغد لأجيال الغد الذين هم أبناؤنا وأحفادنا ,
فإما تركناهم يترحموا علينا أو يلعنونا .
ـــــــــــــــــــــ

شخصية عابرة
فجأة التقيت به , تحتار وأنت تحاول الولوج إلى تعابير وجهه , كم هو بخيل ذلك الوجه حتى وأنت تحاول اصطياد شيء من تعابيره الغامضة , أتصدقون ذلك الإنسان القابع أمامي يعبث بكوب القهوة في إحدى المقاهي الباهتة , عاش حياة كما لم يعشها رجل في زمانه وجغرافيته , جرب الفقر والغنى كان محبوبا ومكروها عرف الحب والفشل مارس كل أنواع الخطايا وقدم الكثير من الخير , والأهم من ذلك لم يهزه وجه امرأة قط , عرف المئات منهن البيضاء والسمراء الجميلة والقبيحة الصغيرة والكبيرة , تقلب بين القلوب والأجساد كما لو كانت قطعة علك كتلك التي يلوكها بدون اهتمام , لم أكن اهتم بمسألة الحب والجسد كثيرا إلا حين يعبر ذاكرتي هذا المخلوق الغريب , كان يستفزني بسكوته وهدوئه المميت حتى حين تطرح أعقد المسائل , في البدء كنت أعتقد أنه أجوف الفكر لا يهتم إلا حين تطرح قضية ما تتناول علاقة إنسانية عن الحب والجنس عندها يبدأ بتنسيق حوار مبدع عن أسرار ومتاهات تلك العلاقات الشائكة بالنسبة لنا على الأقل , ولكن لعين الحقيقة أقول كان ينهي أطروحاته الغنية المثيرة بنصائح يلقيها تحت بؤرة الاهتمام بإسباغ وشاح من الرهبة حين تبدأ طقوس أطروحته على نهايتها , ويتحول فجأة لقديس أو نبي ويتلو علينا وصاياه الأخيرة

(ليس ثمة مكان تأوي إليه الضمائر مطمئنة هادئة تأمن الماضي والحاضر والمستقبل إلا حيث تكون الأشياء في مكانها الصحيح , حيث لا إثم يؤرق ليل العقلاء ) .

لم ولن يتسلل الشك إلى جوفي بعبقرية طرحه للأشياء وتحليل كل ما نلقيه في طريقه من إشكاليات , ولا أنسى كم أتعبنا ببعض أطروحاته حيث ينتابنا العجز حينا والدهشة أحيانا والإعجاب ربما حتى بتلك الأفكار التي لا نفقه عنها شيئا , ولكنا كنا سعداء بهذا التميز والانتقال من حالة الركود التي تستوطن أوقاتنا إلى عالمه الغامض والمتعب أحيانا , يكفي أن نعرف أن ثمة وقت هنا لشيء مختلف .
ذات أمسية قبل عدة سنوات جمعتنا به صخرة فوق جرف سحيق , دار بيننا حوار حول الموت والحياة , الغريب في هذا الكائن أنه يذكر الموت كثيرا ويتحدث عنه بطريقة خرافية , وكان يحب أن يركز نظراته في عيني محدثه بطريقة تشعرك أنه يتحدث إليك من الداخل , وأنه يعبث بدواخلك أثناء الحديث , سألني يومها سؤال سكن ذاكرتي زمنا , فقال : هل تتمنى الخلود ؟
أجبته بعفوية ومن يتمنى الموت ولا يتمنى الخلود والتمتع بكل ما تفرزه الحضارة الإنسانية في المستقبل من عوالم مثيرة !
فكرة الخلود
ما الذي يمكن أن يخيفنا في فكرة الخلود ؟
قبل ذلك يمكن لكل منا ممارسة التيه عبر هذه الفكرة , فلنتصور يمتد بك العمر فترى الأحبة والأقارب والأبناء والأصدقاء يموتون ، قد تتغير معالم الحياة , يتقزم الكون يصبح العالم لعبة صغيرة ربما يطفو على شريحة سيلكونية ذات زمن ، ويمكنك الانتقال نحو أي بقعة فيه بلمسة زر , ربما يمكنك قضاء ليلة دافئة في حضن حبيبة ما وفي مكان ما بلمسة زر ، عالم رقمي لا يحده شيء ، تمر بك ليال وأنت تغزو كل جزء في هذه المنظومة السيلكونية , تشبع أهواءك الدينية والاجتماعية وفي عوالم لا نهاية لها ، سواء أكنت مثقفا أم عربيدا رومنسيا أو سياسيا أو متدينا أو ملحدا , ذكيا أو غبيا , كون متاح للجميع , ربما يكون العالم ذات يوم هكذا أو أغرب وأعجب من هكذا خيالات , حقا ( إنه من يعش منكم فسيرى اختلافا كبيرا )   .
وما ذا لو كان الخلود متاحا للجميع , هل سيتقاتل الناس ذات يوم على مكان يكفي لجلوس أو لنوم , وهل سيتقاتل الناس على قطرة ماء وكسرة خبز , هل سيهتم البشر بالعلاقات الاجتماعية وتشابكها وتعقيداتها , أعرف أنه لا نهاية لهكذا خيالات ، ولكن الحقيقة المؤكدة أن الموت نعمة مخيفة في ظاهرها ونعمة أثيرة في حقيقتها , وربما تسلل الملل في نفس شاعرنا حين قال ( ومن يعش ثمانين حولا لا أبالك يسأم )   .
كنت أتساءل : كيف يخلد المؤمنون في الجنة على الأرائك متقابلين يشربون ويأكلون ما يتمنون ويشربون من خمر الجنة , لا يهرمون ولا يمرضون ولا يموتون , أتصور أحيانا أن روعة الحياة الدنيا في همومها ومشاكلها وتعاقب الصحة والمرض والسعادة والتعاسة والشبع من بعد جوع والارتواء من بعد عطش , ونيل الأمنيات بعد انتظارها , يقال أن بعض الأثرياء في بعض الدول المتحررة والذين لا تقف الحياة حائلا دون أي ملذات يطمحون إليها يصيبهم الملل والاكتئاب , لا لشيء فقط لأنهم لم يعد يأبهون لشيء ولا ينتظرون شيء ربما يغير رتم حياتهم , فيضعون حدا لهذه الحياة الوادعة المملة الرتيبة .
لماذا نحن متمسكون بالحياة رغم كل ما يحيط بالبعض منا من هموم ومشاكل وربما أمراض وفاقة واحتياج لأدنى ضرورات العيش الكريم , لماذا نصارع الهموم والفقر ونسكب الدموع أنهارا على الحظ الخائن والأمنيات المستحيلة ثم تخيفنا مجرد فكرة الموت رغم ما توحي به من راحة ونهاية لكل أنواع الشقاء , هل نؤمن حقا بحياة أخرى في الجنة حيث النعيم المقيم ؟ هل لا نثق برضا الله عنا وبما جمعناه عبر حياتنا من رصيد الحسنات الذي يؤهلنا لدخول الجنة ؟ هل نحن بهذا الغباء العجيب بحيث تخيفنا فكرة مغادرة هذه الدار دار العناء والشقاء والاحتياجات التي لا نهاية لها لدار الخلود والنعيم المقيم ؟
حتى أكثر المتدينين لو عرضت عليه فكرة الموت وكان الخيار بيده لما اختار الموت !
هل نحن متشكين في وجود الجنة أم بأحقيتنا بدخولها ؟
هل فكرة الملموس طغت على فكرة المحسوس ؟
هذه الحياة التي نعيشها بكل ما فيها من جمال وحزن سعادة وشقاء أمل ويأس , هي ما نملك أما ما بعد الموت فلا نملك منه شيئا .. إلا أمل برحمة الخالق ( لمن يؤمن ) , وهذا ما يجعل الأكثرية الساحقة تتمسك بهذه الحياة بكل تناقضاتها .
لو لم تكن غريزة البقاء لما هربت القطة من ذلك السائق المتهور ولما طارت الطيور عند إحساسها بالخطر ولما هرب الصرصور من حذاء أحدهم .
نحن نعيش لأنه يجب أن نعيش , وجدنا لنستمر ولنتمسك بهذه الحياة رغم كل مآسيها وأخطارها وعذاباتها .
هذه الحياة والتي تقدر بلحظات بسيطة ربما تهدر حولها أسمى المآثر الإنسانية , فالماضي ليس إلا تراكمات للحظة قد لا تتعدى ثواني قليلة , فلا نملك له تغيرا فقط لحظة ندم لغلطة ما أو لحظة رضا لسلوك نبيل , والمستقبل شيء لا نملك له معرفة ولا تغييرا إنما هو مجهول ينتظر أن يتمخض عن لحظة ما نصنعها بأيدينا وبإرادتنا عبر ثواني أو فاصلة زمنية يسيرة , ولم يتبق لنا إلا لحظات عندها فقط أفعل أو لا أفعل .

ليس عجيبا لو تصورنا أن الإنسان عمر هذه الأرض واستطاع أن يتمسك ويقاوم للعيش فيها برغم جميع الظروف المحبطة أحيانا بقدرته على صنع الأمل وكذلك الملل والفراغ وعدم رضاه بالإيقاع المنفرد في حياته , فإحساسه بالملل يدفعه للتغيير ووقوعه تحت وطأة الفراغ يجره للإبداع والحركة , وتمسكه بالأمل يفجر في دواخله قدرة عظيمة على التحمل وانتظار الأفضل .
أتذكرون ذلك الصحابي الجليل الذي كان يأكل تمرات بين يديه ثم قال : ليس بيني والبن الجنة إلا أن أقاتل وأقتل ثم رمى بهن وذهب فقاتل وقتل ، هكذا قرار سريع ودون فلسفات وحوارات , وضع حدا لحياته الدنيا دون تفكير لعظم إيمانه بحياته الآخرة , باع الملموس بالمحسوس بكل بساطة وثقة .
فكرة الموت بكل هيبتها وما تحويه من شعور عجيب تظل أغرب فلسفاتنا لو تأملنا هويتها , فكل ما يمكن أن يقدر لنا مجهول , الرزق الغنى الفقر المرض الذرية النجاح والفشل طول العمر وقصره السعادة والشقاء , إلا الموت هو الحقيقة الوحيدة التي لا نجهل وجودها وأنها تتربص لنا عند أي انحناءة زمنية عبر حياتنا , فكرة نناقشها ونتحدث عنها بمشاعر مختلطة من الرهبة وافتعال الحكمة وقليل من الفلسفة , ولكن الأمر يختلف عند سماعنا لموت قريب أو حبيب أو عزيز , عندها تصمت الحروف وتسقط المشاعر بين براثن الحدث الغريب , وكأننا لم نتجاذب أطراف الحديث على ضفافه ذات وقت .

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ





وجوه
وجوه كثيرة .. حتى وجهي إذا ما ردته لي أسطح المرايا .. أصفعها بالكثير من أرقي وأفكاري المتعبة .
وقبل الكثير من الاستغفار والندم , أتساءل هل يحتاج الله لكل تلك الوجيه لعبادته , أكوام من الجثث الحية تهيم حيث كل الأمكنة وحيث لا مكان , إلى متى تتحمل هذه الأرض صوت أفواههم النهمة لأحشاء الطبيعة وهدير المصانع , إلى متى ستظل بعض عقول نيرة جديرة بالبقاء تهبهم عصارة وجودهم ؟ هل يستحقون حفنة هواء تتهادى عبر رئتهم ؟ هل يستحقون رحم الأرض ليدسوا فضلاتهم فيها ؟
هل تستحق هذه الأرض كل هذا العبء الغبي وكأني بها تلعن هذه الأقزام التي تجثم على جوهرها النقي فتعيث فيه فسادا وإفسادا .
يبتزون مقدراتها المباركة ليصبوا جله لقتل بعضهم البعض !

ماذا لو كانت هذه الأرض حكرا على البعض من مخلوقاتها الأجدر , هل يمكن لها تحمل صراع الجبارين , وهل ما يضمن تسخير عقولهم النيرة لخلق الفردوس عليها ؟
أم تتسابق عبقرياتهم ليعتلي بعضهم بعضا فتكون نهايتهم أسرع من نهاية أكوام الأجساد الغبية ؟

أحيانا أكاد أجزم أن هذه المخلوقات الأرضية جديرة بكل احترام ودهشة , فكلنا يشكو من شيء ما ( حاجة , مرض , تعاسة , قلق , خيبة , وحدة , إحباط , ندم ) ومع ذلك يظل هذا الوجود جميلا في نظرها , وتخشى الموت حتى لو كان راحة لها من كل أمر .
لماذا تستفزني بعض الوجيه فأتأملها بحقد وقرف وأهبط ثم أعلو فوق قسماتها بالكثير من السخرية والغضب ؟
شعور يداهمني من غير إرادة مني ثم لا ألبث أن أستغفر الله العلي العظيم من وسوسة الشياطين , وأغسل بنظرة تسامح بيضاء لتلك الوجيه التي أسأت إليها دون قصد .

وأحيانا تصطاد نظراتي من يرمقني بذات النظرة أو ربما أشعر ببعضهم يشاركني عادتي الآثمة , فأعتدل في جلستي وأراقب هندامي وأتكلف الابتسام حتى أتحايل على ضميره فلربما ندم على ما أظنه وقع فيه .
.
.
هذا ما هاج وماج في خاطري نتيجة انتظاري أكثر من ثلاث ساعات في صالة إحدى الدوائر الحكومية , ولو عرف المسئولون عن مضار الانتظار الطويل وما يجلبه من أفكار غير حضارية وخطيرة لما تسببوا في هكذا (زحمة وروتين واستهتار من قبل بعض الموظفين ) .

واستغفر الله العظيم من كل ذنب عظيم .

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
في الفيزياء

سؤالان :

السؤال الأول :
هل يعتبر(بعض) السحر نوع من الفيزياء ؟
فمثلا ما يقوم به الساحر(ديفد) من قطع نصف جسده والسير في الشارع أمام الناس حاضنا نصفه الأسفل بيديه , لا يمكن أن يكون حقيقيا , والله سبحانه وتعالى يقول في كتابه الكريم (سحروا أعين الناس ) .

ولو افترضنا أنه تأثير فيزيائي على خلايا العين وأعصاب المخ ثم يحدث تغير ما في ملفات المخ وأرشيفه المعقد ليعاد ترتيب الصور والمسلمات المنطقية المخزنة فيه (بطريقة علمية معينة أو بعلم قدره الله لبعض البشر , ولا ننسى في قصة عرش بلقيس أن الله شاء لرجل عنده علم من الكتاب أن يتفوق على عفريت من الجن لحكمة واضحة , حيث لن يتكاسل البشر عن طلب العلم ويجيرون هذه الأعمال الخارقة للجن , بل يجب عليهم الجد والبحث حتى ينالوا بإرادة الله (علم من الكتاب كما ناله صاحب سليمان الإنسي )   . 

عندها يبرز سؤال مهم : هل ذلك العلم إذا ما سخر لبشر ذات يوم يعد من السحر برغم قدراته الهائلة في التحكم بكل ما تراه العين ورسم ما يشاء على خلاياها ؟

-  ومن يؤكد لنا أن بعض هؤلاء الذين نسميهم (سحره) ويعبثون بأعيننا ولا يمارسون الشعوذة في التفريق والتقريب وعلم الغيب والتمائم والذبح وبقية الأجندة الطويلة من الخزعبلات , مثل (ديفد الساحر الأمريكي) ممن أتيح لهم بطريقة ما بالاطلاع على علم فيزيائي ما لا نعرفه واحتفظ بالسر لنفسه وقام بكل تلك الخوارق التي نشاهدها , ولا شك أن الإجابة تكمن فقط عند هذا ألـ ديفد ولا أظنه سيجيب عنها .

السؤال الثاني :
نرى في بعض أفلام الخيال العلمي قصة من يعودون بالزمن للماضي , وبغض النظر عن موضوع تلك الأفلام , هل هذا ممكن ذات يوم بعد تقدم العلم بحيث يصعب لنا الآن تصور كيفية حدوث ذلك؟

أذكر عند قراءتي لبعض كتب النسبية ذات وقت , أن السرعة إذا قاربت سرعة الضوء يقل الزمن عنده بشكل عكسي , وأعتقد أن أينشتين وبعض علماء الفيزياء إذا لم تخني الذاكرة أستحالوا أن يصل الإنسان يوما بوسيلة نقل ما أن يصل لسرعة الضوء أو تجاوزها , وأذكر قبل سنوات أثناء دراستي الثانوية (طبعا بمعهد مكة العلمي ورغم اسمه العلمي لا ندرس أي مواد علمية حتى الرياضيات ) , المهم كنت أناقش أخ لصديق لي يدرس بالجامعة قسم فيزياء , ومن حبي وقتها للمواد العلمية وقراءتي بنهم لموضوع النسبية وعلاقة السرعة بالكتلة والوزن ومانتج عنها من اختراع للقنبلة الذرية , استطعت أن أجاريه في بعض التفاصيل , ومنها أني قلت له لماذا يستحيل على الإنسان أن يصل ذات يوم لسرعة الضوء أو تجاوزها , ربما نظرتنا للموضوع في وقتنا الحالي وإمكانياتنا الحالية فيه ظلم كبير للعلم ففي خلال سنوات قليلة قفز العلم قفزات مذهلة , ولو قسنا هذا التطور من خلال المستقبل لتأكدنا أن المستحيل سيكون ممكنا ذات وقت .
وبعد سنوات قرأت مقالا بجريدة الشرق الأوسط لعلماء بريطانيين , وربما منهم (ستيف هوكنج) صاحب نظرية الثقوب السوداء , أن الوصول لسرعة الضوء أو تجاوزها ليس مستحيلا نظريا (ربما أينشتين هو من ذكر ذلك ) , ولكن أليات ذلك مجهولة حاليا .
أذكر أني تحمست كثيرا وقتها بما وعدني به أخ صديقي بلقائي لأستاذه في الجامعة في مادة الفيزياء لما كان للحوار من تشعب وإثارة , فقمت بإعداد بحث (ما زال لدي ) من عشرون صفحة به شروحات ورسوم بيانية ورسوم توضيحية لما أعتقدته وقتها باكتشاف شئ ما في عالم الفيزياء ( والمضحك أنني قمت بمراجعته بعد سنوات طويلة وبالكاد فهمت منه القليل والكثير منها لم أفهمه أو نسيته , ربما لأنها مجرد شخبطات ) .

مازال صديقي ذاك زميل عمل , وذكرته بتلك الأيام الخوالي وعرضت عليه مقالة الشرق الأوسط , فقال ضاحكا ومازحا (ربما كان بحثك ذاك كجاذبية نيوتن وغفل عنه التاريخ )   . 

-  هنا خطر ببالي خاطر.. لو صحت تلك النظريات هل يمكن استحداث مركبة في المستقبل تتجاوز سرعتها سرعة الضوء كما قال العلماء البريطانيين .
- عندها هل يمكن لقانون العلاقة بين السرعة والزمن من أن يحدث ثورة حضارية وانقلاب في حتمية التاريخ ويتمكن الإنسان من الرجوع بالزمن للوراء (زمن سلبي) ؟

من المؤكد أن هذا لن يحدث مهما تقدم العلم لأسباب واضحة ومنها :
 -  أن في ذلك عبث واضح في دورة التاريخ والمسلمات الدينية .

- أن ذلك لو حدث في المستقبل لشهدنا وجود أناس غرباء جاءوا من المستقبل وغيروا بعض الأحداث أو أرشدونا لمخاطر تفاقمت وعادت على الإنسانية بكوارث حدثت .

-  وهنا تمر خاطرة ما , ربما كانت الأحداث الغريبة والتي نعرفها بالأطباق الطائرة أو بعض المخلوقات الفضائية التي تدور عنها بعض القصص , أو بعض تلك الأحداث الخارقة التي تحدث بيننا ليست إلا زيارات يقوم بها أبناء المستقبل ؟
 -  وربما لم نشهد بعد زيارات حقيقية ومؤثرة لأن الفترة الزمنية التي قفز فيها العلم لهذه المرحلة ليست إلا بدايات , وأنهم عجزوا عن الرجوع كثيرا للوراء , لأننا لم نسمع عن أشخاص جاءوا لتغيير مجرى التاريخ عبر بعض العصور المشهورة مثل العصر الفرعوني (رغم بعض الحقائق التي لم تفسر تفسيرا علميا مؤكدا حتى الآن ) , أو العصر اليوناني أو في عصر النهضة الأوربية أو الإسلامي وما شابه ذلك .

-  ولكن هناك حقيقة علمية منطقية تمنع فكرة الرجوع بالزمن للوراء وربما هي التي كنت أدور حولها في ذلك البحث البدائي الذي نسيت أكثره , ولكني استطعت فهم تخطيط كنت قد رسمته بشكل واضح وهو:
 -  لو افترضنا أن المركبة (س) انطلقت بسرعة تفوق سرعة الضوء من النقطة (أ) عندها تبدأ سرعتها بالتصاعد نحو سرعة الضوء ثم تخطيها , فنظريا سيتناقص الزمن على المركبة حتى يقارب الصفر , عنده ستصدم النظرية بعائق منطقي رياضي لا انفكاك منه ثم لا يمكن بتجاوز الزمن لنقطة الصفر , وهذا المنطق هو :
-  وصول المركبة لزمن لحظة الاشتعال أو لحظة التشغيل عندها سيتوقف كل شيء على المركبة فهذه لحظة ما قبل الانطلاق.
 -  ربما ستنسف هذه النظرية فكرة الرجوع بالزمن للوراء من جذورها , إذ لا يمكن العبث بالأقدار وبمشيئة الله , من خلال هذا المنطق الرياضي البسيط .
  -  إن التحكم بالزمن على هذه الأرض هو بيد الخالق وحده , مثل أن يقوم النبي صلى الله عليه وسلم برحلة الإسراء والمعراج والناس على الأرض يمضون ليلة واحدة وتجعله القدرة الإلهية يرى فيها ما لا يمكن رؤيته في أشهر .
-  هنا تتبع النبي صلى الله عليه وسلم خطا زمنيا خاصا لم يتح لأحد من البشر, وتجاوز حدود المنطق الرياضي والقوانين العلمية .
 -  ربما يستطيع الإنسان ذات زمن من اختراع مركبة تقهر الوقت ولكن في حدود المنطق والممكن , فمثلا من المستحيل الوصول لزمن (الصفر) , ولكن يمكن الوصول لأدنى زمن إيجابي بعد الصفر ولو لثواني معدودة , هنا تتبدل الثوابت وتظهر خطورة أخلاقيات العلم والعبث بحياة الإنسان المنظمة والمنطقية , وينحاز حفنة من البشر في حجرات خاصة يشربون الشاي ويتحدثون ويتضاحكون , ثم يرجعون لواقع ربما مضى عليه مئات أو آلاف السنين ليجدوا كونا غير الكون وأناس غير الذين عهدوا , وربما تصطدم مركباتهم بزلزلات يوم النشور .
-  لا يمكن التكهن أو التنبؤ بالغد في ظل مارد العلم وتقلباته السريعة المذهلة , فلنعد بذاكرتنا لأيام الصبا , حيث الحواري والبرجون والجلنط والقب والسبعة حجار , وما نحن عليه الآن , هذه المقارنة البسيطة عبر سنين قليلة ترسم الرعب والخوف لما يمكن أن يحدث بعد عشرات أو مئات أو آلاف السنين .
 -  قد يكون الغد أحلى وأفضل , وربما يكون مليئا بالتعاسة والرعب  , وتبقى الكلمة للإنسان وعبقريته وطموحاته وإحساسه الحضاري والعاطفي نحو أبناء الغد .

-  يقول سبحانه:
( كأنهم يوم يرونها لم يلبثوا إلا عشية أو ضحاها ) , هذه هي حقيقة الزمن فهو نسبي بين البشر منهم من يراه طويلا ومنهم من يراه قصيرا , ويظل الإنسان ابن لحظته فقط , لا يملك ماضيه لأنه انتهى , ولا يملك مستقبله لأنه مجهول بالنسبة له , بينما يوم البعث يتساوى البشر في الشعور بالوقت وكأن الدنيا وقتها بأزمنتها النسبية ليست إلا عشية أو ضحاها .

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

بدايات
قد تبدأ بداية صحيحة في الزمن الخطأ , وقد تبدأ بداية خاطئة في الزمن الصحيح !!

أيهما تفضل ؟؟

ليس مهما الإجابة بقدر أهمية الوقوع في دائرة غير منتهية من الاحتمالات المبهمة !

هل يمكن أن تجد راحة ما لو اعتقدت أنك توصلت للإجابة الصحيحة ؟؟

هناك مثل يقول ( إذا فاتك الفوت ما ينفع الصوت ) .

يقول علماء الاجتماع أن الإنسان عبر مسيرته التاريخية الأزلية يقع في أحداث متغيرة ومختلفة , هي بالنسبة للمتعايشين معها مجرد أحداث , قضاء وقدر , حتمية منطقية , حتمية تاريخية ...... إلخ .
وبالنسبة للجيل التالي تجارب قد يستفاد منها وقد تتراكم التجارب حتى تصبح علما يدرس أو قواعد تتبع أو أنماط سلوك تفرض نفسها .

لماذا تقع بعض المجتمعات في أزمات خطيرة وفي التاريخ قواعد , أنماط , دروس , معايشات إنسانية سابقة لها ؟

هل بعض المجتمعات بليدة , متبلدة , عمياء , لا تؤمن بدراسة التاريخ ووضع منهج حياة يستقي أسسه ومبادئه من أوراق التاريخ ؟؟

لماذا تأكل تفاحة فقط إذا كان بالإمكان أن تأكل عشر تفاحات ؟؟؟

السبب (ربما) الاستسلام للذة السريعة والسقوط المباغت والمتسرع عند
أول نماء لحدث (وَكَانَ الإِنسَانُ عَجُولا ) ً .
هل المجتمعات الإنسانية متشابهة في الأخذ بدروس التاريخ ؟ أعرف أن الإجابة قطعا لا , وأن النسبية تتحكم في هذه الإجابة .

لا أحب أن أتحدث عن مجتمعاتنا العربية في هذا الشأن , لأن الحديث مؤلم , مرعب , وكلما انحدرنا في البحث نحو الذات ( الأنا ) كلما توسعت دائرة الوجع !!!

بعض الخصوصية

هناك بين ظهرانينا من يحكي قصة الكلب الذي دخل دار قوم فأخذ قطعة لحم من إناء الطعام وهرب , فشمرت فتاة الثانية عشر عن كمها ولحقت به واستخلصت قطعة اللحم منه وغسلتها جيدا وأعادتها في القدر ( وكانت بامية تحديدا ) , ولم تمضي عشرون عاما حتى تحدثت هذه الفتاة والتي أصبحت مسئولة في دائرة ما وكان في الحضور من عايشت تلك الواقعة , فتحدثت هذه المسئولة عن تاريخ العائلة المجيد فقالت ( نحن من عائلة ثرية وكنا نملك الأراضي الشاسعة وقد ولدنا وفي أفواهنا ملاعق من ذهب ! ) .

لا تعليق

التاريخ عند البعض ورقة بيضاء , ليس مهما ما كتب فيها وما نستخلصه منها بل ما نكتبه نحن ونريد أن يقرأه الآخرون !

لم يمض جيل بعد حتى تختفي في ذاكرتنا قصة الكلب والمسئولة , فتظهر أنماط من السلوك وكأن من يمارسوها بعيدون عهد بضنك العيش وشظف الحياة !

- مجموعة شباب يدخلون لمطاعم الوجبات السريعة ويدفعون ما يقارب 300 ريال في بقايا أطعمة ومخلفات لحم وخضار وزيوت فقدت محتواها , ويتركون ثلثا هذا الطعام ليأتي العامل الذي لا يهمه هدر هذه النعمة ولا الكم الهائل من التعاليم الدينية التي تحثنا على احترام النعمة والاقتصاد فيها , ولا يهمه نتائج هذا البطر والبذخ الأعمى على المجتمع وهذا الكفر بنعمة لم نعرف لها وزنا رغم قرب عهد لنا بانعدامها وانعدام عشر معشارها , ويحمل هذا العامل بعض الأطعمة التي لم تمس ليكبها في مزبلة المطعم ومعها حسرات تطلقها عيون التاريخ لتلقيها هي الأخرى في مزابلها .
- أب يدخل لمطعم من هذه المطاعم أيضا ( والله ثم والله ثم والله وكما حكى لي هو شخصيا راتبه لا يتعدى 1800 ريال ويعمل حارس أمن اقتطع من راتبه عبر شهرين ) ليدخل بأبنائه الثلاثة ويطلب ثلاث وجبات بـ52 ريال , ويجلس معهم تقوم بنته بإخراج اللحم من السندوتش لتلقي به في الصحن ثم تخرج الخس والطماطم , لتأكل الخبز بالمايونيز والكاتشب فقط , وكذلك أحد الأبناء , أما الأصغر فعبث بالوجبة وتركها ولم يأكل منها شيئا , وكانت المشروبات الغازية بحجم قارورة المياه الصحية الكبيرة , هي فقط تناولها الصغار بكل تفان واهتمام !!!
- طفل صغير في العاشرة من العمر يدخل محل بقالة ويرمي النقود من بعيد للفلبيني ويأخذ علبة العصير ويخرج دون أن يلتفت لأحد (من أين اقتبس هذا الصغير ذلك السلوك , حتى أنه لم يجد حرجا في تصرفه , ورغم محدودية التصرف إلا أنه دليل على أن الأجيال الصاعدة بحاجة لثقافة حضارية قوية ) .
- لن أتحدث عن المآدب التي يلقى فيها الطعام بالأطنان في مكبات القمامة خاصة بوجود ظاهرة حفلات الأعراس الكبيرة في قصور الأفراح الكبيرة أيضا , ورغم وجود بعض الجهات التي تحاول الحد من تلك الممارسات الغبية البغيضة إلا أننا نتمنى كاعتراف بأهمية هذه النعم وحرمان الكثير من الناس منها أن نحد من هذه الظواهر المتخلفة , يكفي أن تحضر إحدى هذه المناسبات وتقف بعد انتهاء المدعوين من الطعام وتنظر للموائد وما بقي عليها من أكوام الأرز واللحم والفواكه وتجزم أن نصف هذه الكمية تكفي للمدعوين ولكن قاتل الله من أطلق مقوله (يزيد ولا ينقص)               .


لو طبقنا النظريات التاريخية واستخلصنا بعض الحتميات التاريخية نتساءل :

هل يهمنا ذلك , ومن يهتم , ومن يدرس , ومن يعرض تلك الدروس , ومن يتعظ ..... الخ

الغريب , والعجيب , والمبكي , والمضحك , والغباء , والأغبى , والاستهبال , والعمى التاريخي , وعدم القدرة على النظر لعام واحد مضى ناهيك عن ثلاثين أو خمسين سنة مضت
أن الكثير منا وخاصة الجيل الواعد , الصاعد , الأجوف حضاريا وفكريا وثقافيا والمنتمي لقشور الحضارة الغربية ( إلا من رحم ربي ) , يعتقد بحتمية تاريخية واحدة .

الحتمية التاريخية الجديدة

الطفرة المادية المتفجرة خلال سنوات قد لا تذكر في عمر الحضارات الإنسانية ,

هي : حالة مادية وثقافة ولدت في ظروف متفجرة لم يصاحبها نمو حضاري وثقافي وديني كاف لتوجيهها التوجيه السليم , إنما هي حالة معيشية دائمة مستمرة لا تخضع للدراسات التاريخية ولا تخضع لغدر الزمان (لأن غدر الزمان تعبير رومانسي لا يوجد إلا في الأغنيات العاطفية والأشعار الخيالية ) , وقد تعهدت الشرائع السماوية بديمومة هذه الحالة حتى تقوم الساعة ... انتهى


ما علاقة أول الحديث بآخره ؟؟؟؟؟؟؟

العلاقة : كلما اتجهت الدالة للأعلى ( النعمة – الثقافة - الأمانةالعدل ) كلما احتجنا لصفعة تاريخية حتى نفيق ونقدر ( ونداري ) على ( شمعتنا ) لتظل الأرض التي نطأ عليها مستقرة ما أمكن !!!
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ديموقراطيات
ربما من حق البعض مهاجمة الديموقراطية الغربية من وجهة نظره على الأقل , فليس مهما حقا أن تروق للجميع , فالتنوع الثقافي المجتمعي لبني البشر له خصوصياته وطغيانه على أبنائه بشكل أو بأخر , أما كون هذه الديمقراطية هي الحق المحض ويجب أن تنساق خلفها بقية الأمم طوعا أو كرها فهذه وجهات نظر يصعب الخوض فيها .
نسمع بعبارات مثل القرية الكونية , وربما قريبا الكف الكوني وربما أكثر مع تقدم علوم (النانو) , ولكن انصهار المجتمعات في بوتقة ديموقراطية واحدة يبدو ابعد من خيالات العلم الحديث , أما لماذا فأيضا يصعب الخوض فيها .
والديمقراطية الغربية تطل علينا أحيانا بصورة ساخرة ربما في بعض المواقف , وربما بصورة مبكية أو مضحكة أو نأخذ من نبعها ما يتناسب ومواقفنا التي لا تخضع لمقياس أو قانون بل محض أهواء شخصية , وأجمل ما فيها أننا نمجدها تارة ونلعنها تارة , بصورة مباشرة أو غير مباشرة أحيانا أخرى .

لفت انتباهي ثلاث صور من صور التمتع بالديموقراطية الغربية , ولو أنها في نظري صور مبكية مضحكة ساخرة وربما أشياء أخرى لا تحضرني الآن , فمثلا :
- باسم الديموقراطية نقذف رئيس أعظم دولة بالحذاء .
- وباسم الديموقراطية يصف ممثل مسرحي أمام ألاف المشاهدين رئيس أعظم دولة بالكلب .
- وباسم الديموقراطية يصف كاتب أعظم رئيس دولة بأنه ( رخمه)  .
- وهناك آلاف الصور للنيل من رموز كبيرة في بلادها والتي تسمى دولا ديموقراطية من قبل أشخاص في دول توصف بأنها غير ديمقراطية !

ما أود السؤال عنه هنا وبكل دهشة واستغراب لماذا توجه كلمات وحتى هجمات على تلك الرموز من قبل أناس لا يستطيعون الإشارة ولو بأصبع هزيل نحو رموز ربما اشتهرت بالظلم أو الاستبداد أو بخيانة المسئولية أو حتى بالجرم المركب في مجتمعاتهم ؟؟؟

لماذا لا نجد هجمات وخطابات مباشرة نحو تلك الرموز ؟

هل تمتع أولئك النفر بالديموقراطية الغربية حتى في بلادهم ولكن لمهاجمة أصحاب تلك الديموقراطيات ؟

نحن لم نأت بجديد حين نهاجمهم , فهم مهاجمون في مجتمعاتهم بما فيه الكفاية عند أتفه زلة , ولكن هل من الشجاعة أن نترك مصائبنا ومشاكلنا لنهاجم الآخرين ؟

لنفترض أن ذلك الهجوم لأشخاص لعبوا دورا في تفاقم مشاكلنا , أليس الأولى أن نبدأ بأنفسنا ثم نلتفت للآخرين ؟

هل ثقافة الشتم والقذف بالأحذية هي كل ما بقي لدينا للتعبير بديموقراطية هي أبعد ما تكون لنا ؟ 
ربما هي القرار الأخير بعد طول احتقان ولكنها الأكثر بروزا والأكثر من ناحية الانتشار الإعلامي , وكأنها ذروة سنام الديموقراطية الغربية , أي من حقك أن تعترض تتساءل تستنكر تشتم تقذف ثم تغتال ربما !
هل نحن محرومون من ديمقراطية لنشتم أنفسنا فمارسنا ديموقراطية الآخرين لنشتمهم ؟ 

هل هو مركب نقص ديموقراطي ؟

هل نستطيع توجيه ثقافة الشتم والاعتداء لمصلحة المجتمع ؟ وهل نستطيع أن ننقيها من المصالح الشخصية ’ كحب الظهور والزوابع الإعلامية ؟

يقال أن المتنبي شتم كافورا الحاكم في قصيدته المشهورة ( لا تشتري العبد ) لسبب شخصي حيث وعده بإمارة ولم يوف بوعده .

نحن العرب شعب عاطفي ونجيد التحكم بالكلمات ونطوعها كيف نشاء فلغتنا ثرية ويمكن أن تكتب جملة يفهمها كل من يشاء كما يريد , وربما تتجاوز كلماتنا حدود مقدرتنا كما نفعل في كلمات الشعر والغناء وفي الخطب السياسية , وكما قال عمرو بن كلثوم ( إذا بلغ الرضيع لنا فطاما تخر له الجبابر ساجدينا )  .

هل هناك فائدة من ديموقراطية لأهاجم بها الأخر ؟
وهل نملك ديموقراطية مناسبة ومفصلة لمجتمعاتنا لنصحح بها ما يحتاج لإصلاح ؟ أم هل نحتاج لديموقراطية اصلا ؟

ـــــــــــــــــــــــــــــــ
العجز

لا شك عانى كل منا عجزا من نوعا ما .
العجز الذي أقصده هنا هو العجز نحو التغيير , أي أن تقف عاجزا عن تغيير حياتك بطريقة أو بأخرى , الحياة بطريقة روتينية مملة قد تولد لديك شعورا بالبلادة , تشعر وكأنك تحدق نحو اللاشيء .
ومن صور العجز البائسة أن تشعر بالعجز بأن تحب , ربما لأن الوقت قد فات , أو لأنك مررت بمنعطف رومانسي على حين غرة .
أحيانا يكون عجزك حتميا , لا مهرب منه , أو ربما لا تستطيع أن تهزمه .
هل جربت أن تقف عاجزا أمام عجزك ؟
أحيان كثيرة أقف عاجزا أمام الكلمات , تقهرني فكرة أو مشاعر ثائرة وأقف عاجزا عن صلبها على ورقة أو على مفاتيح الكيبورد .

هل نخضع لقانون العجز حتى في عواطفنا ؟
ليس من حقي أن أحب وقتما أشاء , فهناك نوع من العجز يبرر هذا .
هل اكتسب العجز نوعا من التشريع الاجتماعي أو النفسي يجبرنا على الخضوع له ؟
هناك تبعات نفسية واجتماعية ودينية رضينا بها جعلت من بعض صور العجز واقعا حتميا وكأسا مرة نستسيغ تجرعها قهرا أو خضوعا لا فرق .
العجز هو قرار ذاتي مر المذاق ولكنه يمنحنا الطريق الأسهل لتجنب المزيد من الألم , فالاستسلام للرغبات المكبوتة , أو الملذات المحرمة , أو حتى العلاقات العاطفية التي تولد في أوقات غير مناسبة قد يولد الكثير من الألم لنا وربما يمنح الكثير من الألم لمن لا يستحقون .

لماذا تذكرت العجز الآن ؟

ذات زمن كنت مغرما بكتابات الأستاذ الكبير عبدالله الجفري رحمه الله تعالى , وأذكر أنني قرأت رواية له بعنوان (جزء من حلم ) وأخرى بعنوان ( فقط ) , ربما كنت يافعا وقتها كثيرا وكنت حالما أكثر , فبكيت كثيرا وقتها , فأرسلت له رسالة نشرها كاملة في زاويته في جريدة عكاظ العدد 8616 بتاريخ 19 رجب 1410هـ (طبق الأصل) وكان مما جاء فيها :

 يا أنت .. أيها الإنسان المتعب بإنسانيته 
ستظل تبحث عن الأقسى .. وسيظل هذا المخلوق يستفزك للبحث عن أشياء أخرى , قد تسأل : ما الذي يمكن أن تكتشفه بين ضلوع هذا الإنسان ؟
هل هو التغيير أم العجز ؟
أواه من العجز .. ذلك الطاعون المخيف الذي يخنق فينا ( النبض) وينمي (الظمأ) الأسود في أحداقنا المتلهفة لذكرى جميلة مؤلمة , ذكرى جميلة (فقط) .. ربما - مابين الأقواس أسماء كتب للأستاذ الكبير عبدالله الجفري - .
ومن تلك الرسالة أيضا :
 -  يا أنت أيها الإنسان المتعب بإنسانيته , هل مازلت تتحدث عن الأقسى ..
أما زلت تستنكر ثقافة العقل وأمية الوجدان ؟
أما زلت لا تصدق كيف نقدر على فصل الحب عن الحياة ؟
-  يا أنت أيها الإنسان المتعب بإنسانيته ..أما زلت تبحث عن صورة طبق الأصل لذلك الإنسان التائه بين أعمدة الدخان النووي .. المولي وجهه شطر الفضاء النووي , ويهرب من شتاء نووي ويتناول الهمبرغر النووي , ويمارس العشق النووي ؟
-  أما زال حوارك ينساب (حزنا دافئا ) مع ذلك المخلوق الذي أصبح (جزءا من حلمك ) الإنساني الكبير ؟
-  يا أنت أيها الإنسان المتعب بإنسانيته .. اسمح لي أن أقذفك بسؤال متورم بذلك السرطان المؤلم ( الاقتناع المستحيل) وليتك تسرف وتخبرني كيف أدرك (أنا) أن قلوب الناس عامرة (ولا قلب لي ) ؟
فلماذا أصر وأنا أحد إنسانيي هذا العالم على قتل الإنسان الأوحد الذي أحب ؟
ما أشقاني وعقلي يوغل في ثقافته .. وما أتعسني ووجداني يوغل في أميته .. ما أشقاني وأنا أضع المبررات التي تمحي خطيئتي وتغفر ذنوبي , ماذا أقول ؟
ما أبشع أن يحاول واحد من إنسانيي هذا العالم أن يمحو أمية وجدانه , وما أبشع أن يعجز العقل المثقف عن محو هذه الأمية .

تخيلي .. 
حتى وأنا في عنفوان عاطفتي وشبابي كنت خائفا من العجز .. وتتالت هزائمي لأظل أسير عجزي نحو أشياء كثيرة , لعل أهمها (أنتِ) .

قال نزار :
(كل الدروب أمامنا مسدودة 
وخلاصنا في الرسم بالكلمات )

ولكن ماذا لو عجزنا حتى عن الرسم بالكلمات .. فمالذي يتبق لنا ؟؟؟

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ


  

عبده خال والبوكر
كنت أتمنى لو فاز عبده خال بالبوكر ( الجائزة العالمية للرواية العربية ) عن رواية غير رواية ( ترمي بشرر ) , هناك روايات في رأيي أفضل وأكثر عمقا من هذه الرواية , أنا لست بناقد أدبي ولكن هذا مجرد رأي قارئ لا أكثر , فروايات مثل ( الموت يمر من هنا , نباح , الطين , الأيام لا تخبئ أحدا, مدن تأكل العشب ) حافلة بألوان اجتماعية سيقت في انسياب باهر وتنقلك إلى عوالم وحارات ومدن وشخصيات تضج بالحياة .
من وجهة نظري المتواضعة لا أحب أن تترجم هذه الرواية بالذات إلى لغات عالمية بسبب فوزها بهذه الجائزة لسبب يقلقني كمتابع لكتابات عبده خال فرغم إعجابي الشديد بعبده كروائي سعودي فذ استطاع أن ينقل الأدب السعودي خارج الحدود ورغم تحفظ البعض عليه لأسباب مختلفة يكفي أن أخرها الأسباب الأدبية , إلا أن هذه الرواية ومن خلال ترجمتها إلى تلك اللغات العالمية قد تنقل صورة غير أخلاقية لجزء من مجتمعنا العزيز , فالملاحظ على جميع أبطال هذه الرواية والبيئة التي تضمهم أنها شخصيات منحرفة , فلا تجد في تلك الشخصيات غير الشذوذ والزنى و السكر والجبروت والقسوة وحتى القتل دون عقاب يطال القاتل , ربما تناول عبده خال بعض النماذج الموجودة فعلا ولكنه سلط عليها الضوء وجعل من شخصياتهم وكأنها محور لتلك البيئة التي عاشوا فيها , ربما قصد عبده خال تسليط الضوء على تلك الشخصيات , ولكن بروز تلك الشخصيات من البيئة المحلية إلى بوابة الأدب العالمي دون تهذيبها بشخصيات إيجابية سوية (عدا شخصية واحدة وهي شخصية الأخ إمام المسجد) , ربما يعطي انطباعا بأن تلك الممارسات وبهذه الكيفية والكم تعتبر ملامح ظاهرة الوجود وقد تعايش معها المجتمع , لا شك أن الأدب هو مرآة المجتمع , وقد تشعرك هذه الرواية بالاشمئزاز من شخصياتها والبيئة التي عاشوا فيها , إن وجود النماذج السيئة في أي مجتمع سنة من سنن الله في الخلق , وعلى الأديب الواعي أن يساهم في رفع مستوى الشعور الإيجابي نحو المجتمع , فهل التغاضي عن تلك الشخصيات السلبية أهم من بروز ملامحها على الساحة الحياتية أم معالجة قبحها والتنفير من الحذو حذوها عن طريق تعريتها والإمعان في إبراز قبحها للقارئ .
ستظل الخطوط الحمراء في عالم الأدب مسألة نسبية وتختلف من مجتمع لآخر كل حسب ثقافته ونظرته للحياة , وتبقى القضية بين الكاتب والقارئ وبين المتحيزين والمعارضين مسألة اختلاف في وجهات النظر .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الهيئة

 
والله العظيم ثم والله العظيم ثم والله العظيم ..
لا يطالب بإلغاء جهاز هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر إلا واحد من أربعة :
أ‌- من في قلبه مرض .
ب‌- من في قلبه غرض .
ج‌- من وصلته شائعة فافترض .
د‌- من لا يفقه شيئا فاعترض .

جهاز الهيئة بإذن الله سيقترن بقاؤه ما بقيت الشريعة قائمة , لماذا :
لأنه بكل بساطة من صلب هذه الشريعة ومن متطلباتها , فالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر مطلوب من كل مسلم بيديه أو بلسانه أو بقلبه , ونحمد الله على أن الدولة قننته ووضعت له جهازا ينظم أموره ولم يترك لاجتهادات ربما مبالغ فيها أو غير صحيحة أو منفعلة ومتحيزة .
فأيهما أفضل يا مطالبين بإلغائه أن يترك في يد الدولة تتحكم في آلياته أم تلغيه الدولة ونترك الحبل على الغارب فينكر من أراد أن ينكر بطريقته ويقاومه من أراد بطريقته ونغرق في دوامة بين معسكرين لا شك نهايتها الحتمية كل يفرض رأيه ووجهة نظره بالقوة ( فكروا فيها بالله عليكم , ففي ظل تمسك الكثير من أبناء مجتمعنا بروح الشريعة هل يمكن ترك هذا الواجب بكل بساطة , يعني البعض ممن يطالبون بإلغاء الهيئة مالبديل الذي يتوقعونه ؟ انفلات للقيم والأخلاق وانتهاك الحرمات في الشوارع والأماكن العامة ؟ هناك من السخفاء يتشدق بأن المجتمع سيكون بخير من دونهم , سبحان الله وهل المجتمع بخير وهم بين ظهرانينا ؟ , مع وجود رجال الهيئة والأماكن العامة والمولات والأسواق فيها ما فيها فكيف لو انعدم وجودهم ( مثال واقعي : لم أجد قط رجال الهيئة في الردسي مول , هل شاهدتم كيف هو في إجازة نصف العام ؟ هل من يتجرأ ويقول لي ما رأيته يومها هناك يمثل مجتمعا مسلما مثاليا , فليفقأ عيني من يتجرأ ويقول أنه لم يرى مضايقة الشباب للعوائل بكل صفاقة وإصرار وجرأة وعدم خوف , فليفقأها ثانية من يقول أن ملابس وهيئة أكثريتهم ليست مزرية وقذرة , أنا لا أفهم كيف تبدو تلك الملابس الممزقة والمتنافرة الألوان والغريبة والسلاسل والأصداف والقواقع التي يعلقونها وتسريحات الشعر هي تقدم وموضة وتحضر وجمال للعين والروح , لماذا يتعمد أولئك الشباب الحضور إلى ذلك المول ؟ أليس لتواجد ألاف العوائل هناك , هل 
لاحظتم معاناة رجال الأمن معهم لمنعهم الصعود للدور العلوي حيث تجمع العائلات ؟ هل هذا المجتمع الذي تريدونه بدون رجال الهيئة ؟؟

نعم ثم نعم ثم نعم 
هناك من يجهل
وهناك من يتجاهل 
وهناك من لا يريد أن يعرف أنه يجهل 

أقول وأمري إلى الله قبل أن تطالبوا بإلغاء هيئة الأمر بالمعروف اغرسوا القيم الحميدة والقيم الإسلامية الراقية وحب الخير لأخيك كما تحبه لنفسك , وانظر للفتاة الغريبة عنك وكأنها أختك وأمك وبنتك وتمنى لها ما تتمناه لمحارمك , عندها فقط سأكون أول من يطالب بسجن رجال الهيئة وليس بإلغاء دورهم .

نعم لتثقيف بعضهم , نعم لإخضاعهم لدورات مكثفة للتعامل مع المجتمع والحالات المختلفة , نعم لوضع أسس ونظام محدد يعملون من خلاله , نعم لوجود جهاز رقابي عليهم وجهة تخضعهم للمساءلة عند اللزوم , ولكن لا وألف لا لإلغاء دورهم الحامي والحارس من شطط السفهاء والمستهترين بالقيم والعادات التي نشأنا عليها . 
ـــــــــــــــــ